تعتبر نظرية داروين فكرة الأفكار الحديثة وحجر الزاوية في الفكر الغربي وأهم السرديات المؤسِّسة لرؤيته للكون والإنسان، بعدما تخلى عن الرؤية الكنسية المسيحية التي سيطرت عليه لقرون طويلة، وحالت دون انبثاق حياة علمية حقيقية، مما صبغ القرون الوسطى الأوروبية بالظلامية والجهل والجبرية وترقّب نهاية العالم في تناقض تام مع ما كان يسود العالم الإسلامي من حضارة ورقي وعلوم.
ولقد ظهرت نظرية داروين في أوج عصر الأنوار وانفجار العلوم والإصلاح الديني والنهضة الصناعية وبروز العلمانية كفكر مؤسس للدول الأوروبية الحديثة، لكن العلوم لم تكن متطورة بالقدر الكافي، إذ لم يكن قد ظهر بعد علم الوراثة ولا الكيمياء ولا الكيمياء الحيوية، ولم تُكتشف الخلية وأجزاؤها، إذ كان يُنظر إليها على أنها كيس مملوء بالماء، ولم يظهر المايكروسكوب الإلكتروني وغيرها كثيرة جدا من فروع العلوم والإكتشافات المهمة والأدوات الأساسية في البحث والتقصِّي.
ولقد تلقّف الفكر الغربي هذه النظرية سريعاً بالترحاب كما تلقّف كل السرديات الكبرى التي ظهرت في تلك الحقبة (الشيوعية ، العلمانية، نظرية فرويد…)، بينما أخرج النظرة الدينية لبداية الكون وخلق الكائنات الحية على الأرض من دائرة العلم أصلا، وغدت نظرية داروين تمثل التفسير الوحيد المقبول علميا لبدايات الحياة وتطورها في المنظور الغربي، وحظيت بالرعاية وتبني المؤسسات والدوائر من كل المشارب، حتى غدا الإيمان بها واجبا علميا وانتمائيا وأصبح يُنظر للمنتقدين لها بعين الريبة والإزدراء ويتعرضون لشتى أصناف العزل والإبعاد، بينما امتدت النظرية إلى سائر مناحي الحياة العلمية الغربية على شاكلة الداروينية الإجتماعية وغيرها.
“إن طموح المخبر الأكبر هو تأسيس مدرسة علمية جزائرية تجمع كل العلماء المهتمين بنظرية التطور من كلا الفريقين (المقتنعون والناقدون) حتى يكون لنا رأينا العلمي وبحوثنا الخاصة ومرجعياتنا وأدبياتنا بدل أن نبقى عالة على غيرنا في شتى المجالات.”
تطورت نظرية داروين مع تطور العلوم والمعارف، بحيث أنها غدت في شكلها الحديث أو ما يعرف بالداروينية الجديدة “Neodarwinisme” بعيدة كل البعد عن الشكل الذي طرحه داروين في كتابه أصل الأنواع الذي ظهر عام 1859، رغم أنها احتفظت ببعض الأسس التي وضعها داروين وعلى رأسها الإنتخاب الطبيعي.
أما في العالم الإسلامي فقد طغى النقاش بين علماء الإسلام الذين رفض غالبيتهم الكبرى هذه النظرية وبين المثقفين ذوي الميول الغربية الذين تبنوا هذه النظرية بشكل كامل دون أن يستفيد الباحثون الشباب في العالم الإسلامي من طروحات علمية شافية حول النظرية وأسسها أو نقدها العلمي، ولا تزال المكتبة العربية فقيرة في المرجعيات العلمية التي تشرح النظرية أو تنقدها عدا بعض المحاولات القليلة الجادة هنا وهناك مثلما يقوم به مركز براهين في مصر مثلا.
وأمام هذه المفارقة الكبيرة بين حجم نظرية داروين التي تسيطر على الفكر العلمي الغربي من جهة، وفقر المكتبة الجزائرية للمرجعيات والدراسات العلمية من جهة أخرى، فإن مخبر البحث في الداروينية ونظريات التطور قد أخذ على عاتقه هذه المهمة الكبيرة وهي التأسيس لمكتبة علمية جزائرية حول نظرية التطور دراسة ونقدا، حيث نتناول بالبحث والتمحيص كل جوانب النظرية البيولوجية والجيولوجية والتاريخية مع التعريج على فلسفة العلوم وارتباطها ببعض جوانب النظرية دون أن نغرق في النقاش الطويل الذي يتناول علاقة هذه النظرية بالإسلام لأنه على أهميته ليس مجال بحثنا إذ أن مخبرنا علمي بحت.
إن طموح المخبر الأكبر هو تأسيس مدرسة علمية جزائرية تجمع كل العلماء المهتمين بنظرية التطور من كلا الفريقين (المقتنعون والناقدون) حتى يكون لنا رأينا العلمي وبحوثنا الخاصة ومرجعياتنا وأدبياتنا بدل أن نبقى عالة على غيرنا في شتى المجالات.
ومن أجل هذا فإن المخبر يدعو كافة الباحثين في شتى المجالات إلى الكتابة في هذه النظرية وفق خطة البحث ومنهجية كتابة المقالات العلمية المنشورة على موقع المخبر وصفحاته على مواقع التواصل لقاء مقابل مادي عن كل مقال أو بحث تتكفل به المكتبات ودور النشر الراعية للمخبر.
وغير خافٍ أننا سنلجأ في دراستنا إلى كل الطرق والوسائل الحديثة من ندوات ومحاضرات حضورية وافتراضية وإنتاج أشرطة وثائقية، مع التواصل مع كبار المختصين والجامعات ومراكز البحث والمخابر حول العالم والحرص على نشر كافة منتوجاتنا البحثية والسمعية البصرية بكل الطرق والوسائل من أجل تحقيق الأمد الأقصى من المعرفة العلمية ونشرها بين الباحثين والمهتمين.
آملين أن نجد في الباحثين ـ وخاصة الشباب منهم ـ الإهتمام المطلوب بهذا المقترح والإلتفاف الكافي حول هذا المشروع الواعد، وسيبقى مركز الشهاب خادما للعلماء والباحثين والمثقفين، طالبا للعلم والمعرفة والحقيقة أينما كانت ووجدت .
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)) سورة التوبة.